"مهما فعلوا لن ينالوا من عزيمتنا، وهنا باقون، وأنت يا قسام مصدر فخرنا واعتزازنا، والبيت وكل إسرائيل فداء فردة حذائك". وداد البرغوثي.
هناك رؤوس لا تكسر، ليس لأنها صنعت من الفولاذ، ولكن بالأساس لأن موضعها لم يعد فوق كتفي فرد واحد فينال منها عدوها بالاستهداف والكسر، هذه الرؤوس، العقول، الإرادات، اختارت أن تنتمي لشعبها وقضيتها، وتستغرق فيها تمامًا، حتى لم يعد بيد العدو حيلة للقبض عليها وتحطيمها.
تم زج الفدائي البطل قسام البرغوثي في السجن وشقيقته ووالدته، لم ينكسر، ولم تزداد عائلته إلا صمودُا، بعد العائلة كان الهدف البيت كأداة لكسر إرادة العائلة. القرية كوبر الصامدة، الشعب، رفاق الدرب، الفدائي القادم، لا شيء من هذا أنكسر، فكلمات الصمود كما فعله وممارسته يرمم كل هذا ويحيل كل شظية من ركام هذا البيت إلى أداة للمقاومة، وزجاجة مولوتوف إضافية تحرق جرافات وجيبات الاحتلال.
قسام البرغوثي، رفض الخضوع ووصار فدائيا فنفذ عمليته؛ اعتقل فرفض الانكسار أمام المحققين فصار جبلاً، كرملاً، جرمقًا. انهالوا على عائلته فاتسعت دائرة الفداء والتضحية؛ انهالوا على قريته فلم تكن أقل صمودًا، استشرس جلادي الاحتلال ملاحقة وتعذيبًا لرفاقه فما كان هؤلاء إلا كما عهدهم شعبهم وأكثر، صمودًا وتضحية وانتماءً.
الفداء عدوى، كما الصمود، كما الشجاعة، وكما الجبن والهزيمة للأسف، وحين لقننا قسام وسامر ورفاقهم ذلك الدرس الأثير حول الشجاعة، كان الرهان على هذه العدوى؛ أن قوة المثل ستثمر، وأن كمين سيخلق ألف كمين، ومن رفاق الفدائي سيكون الآلاف على ذات الدرب.
إن الاحتساب اليائس لقدرة شعب فلسطين، بمقياس الفولاذ اللحظي الذائب أمام الإرادة، هو الغباء بعينه؛ فالعدوى، كما الريح كما النهر، تنحت كل صخر مهما تصلب، وأبناء هذا الشعب هم ريح هذه البلاد، وأنهارها وسيولها، التي ستجرف الاحتلال وصنائعه، هم براغيث باسل الأعرج التي توعد بأنها ستدمي الاحتلال ولن يجد سبيل إليها.
لا تصمد وداد البرغوثي لأنها ترغب بتشكيل أسطورة تتمحور حولها، ولكن لأن خيار الاستسلام هو انتحار فحسب، هذه الحقيقة التي بات يدركها كل عاقل عرف الاحتلال وخبر مواجهته، ذرة تردد واحدة أو انحناء أمام هذا المحتل ستفتح شهيته للتوسع في العدوان والتغول، صرخة الألم من الضحية والتوسل هو ما يشتهيه الجلاد، ولم يناله من أسرة قسام وحاضنته الصامدة.
الخسارة الحقيقية لشعبنا، لقرية كوبر، لقسام البرغوثي، لكل أسير وشهيد وجريح، هو مسار الاستسلام والخضوع وكل لحظة تهدر على رهانات التسوية، وهذا التهرب الخطير من مواجهة نصل سكين يتجه إلى أعناقنا جميعًا، فهذا الكيان لم يكن؛ إلا سكين تروم ذبحنا، ولن نهنئ لحظة بحياتنا إذا استمر وجوده في أرضنا ونصله يحز رقابنا.